الدكتور إبراهيم الغزاوي يكتب : { العرب وترامب ... فلسفة القـتـل اللذيذ }
- الأربعاء ١٢ / أبريل / ٢٠١٧

العرب وترامب ….. فلسفة القتل اللذيذ …
ما حدث في أعقاب مجزرة خان شيخون في سوريا البائسة كان فظيعا ..ربما لا يقل خطورة مما حدث في خان شيخون نفسه..إن لم يكن أخطر ..على أمن العرب القومي المهان والمتنازل والمتراجع .... وعلى مستقبل المنطقة العربية .. الذي يبدو ظلاما وسوادا ... وفي الأمر بالقطع مشاهد عديدة ... للنفس والعقل ..ولكل من يجب عليه أن يفهم ..أو يريد أن يرى أمامه لمسافة ولو ليست بعيدة... المشهد الأول ..مشهد العدوان القميء ... والضحايا الأبرياء، ومعظمهم أطفال، لا جريرة لهم ولا ذنب، وآلمتني وقهرتني مناظر الضحايا في مجزرة خان شيخون ...لاشك ..مثل غيري ..فنحن بشر..وقهرتني بالقطع آلام الضحايا ..وأنات الأطفال .... والمشهد الثاني .. في دمشق حيث مقر النظام السوري الحالي للأسد ..وفي موسكو.. حيث الكريملين والرئيس الروسي بوتين...وفي الوقت الذي تطايرت الأنباء حول العالم تتهم النظام السوري بالمسئولية عن المجزرة البشعة... اجتهد النظام ومعه روسيا في نفي الاتهام بقطعية لا لبث فيها .... فحدث أن ترددت الضمائر والأفهام في ترتيب المسئولية عن الأيدي الشيطانية التي قامت بهذا الهجوم البائس ... لأنه لم يعد هناك يقين في مصدر الهجوم ... وهذا له إبعاده المنطقية أيضا... والمشهد الثالث... في أروقة مجلس الأمن بالأمم المتحدة... ولم يتمكن مجلس الأمن من حسم قراره بالإدانة بالقطع لأنه ليس لديه موثوقية القرار .... وكان في مرحلة التداول حول جهود الوصول لمعرفة الفاعل الجاني ..وتفاصيل الفعل التراجيدي المهين للإنسانية كلها ... والمشهد الرابع والأكثر إثارة ... وفي الوقت الذي بدأت فيه بعض الجهات العاقلة في ترتيب خطوات التعامل مع الكارثة الإنسانية السورية هذه ... بمطالبة عمل تحقيق دولي سريع لاستجلاء المسئولية عن هذا التصرف المشين ... ظهرت صورايخ توماهوك الميمونة بالعشرات..تتهادى في رقة وعذوبة الأحلام والأفلام الناعمة ...على صفحة المياه المتوسطية الداكنة ليلا، لتضيئها بأعمدة النار والدخان الكثيفة التي تنساب من تلك الصواريخ ..واحدا تلو الآخر.. وهي تشق طريقها في ثقة وقوة وثبات القادر القاهر المتحكم....في ظلمة ساعات الفجر المبكرة بسماء سوريا لتنتهك في تسارع تليفزيوني مثير لا يدانيه إلا أفلام هوليوود عن الحرب وأبطال الحرب الأمريكيين المتنمرين خلف شاشات الرصد والتجسس ، وغرف العمليات الفخمة، وأزرار إطلاق أسلحة العدوان على من يرونه معتديا وعدوا وخاطئا ..ومن على بعد مئات وآلاف الأميال عن موقع الهدف المغضوب عليه... في لحظات صفاء وهدوء وسكينة لهم ..على صفحة البحر المتوسط ..وسط أمواج هادئة ..وأجواء رومانسية حالمة تحيط بهم وببوراجهم العملاقة الرائعة التجهيز ..والمرفهة البينان... والتي تعج بالآلاف وسائل الترفيه والراحة .مما يجعلها لهؤلاء الأبطال المحاربين من على البعد، منتجعا راقيا.... ومحلا للاستمتاع بالخدمة العسكرية في الجيش الأمريكي العظيم ... ووسط كل ذلك المناخ الحالم ...تنفجر تلك الصواريخ في قاعدة الشعيرات ... ومطار الشعيرات بالمناسبة هو الذي يضطلع بتزويد الجيش السوري على الأرض بالجهد العسكري الأكبر في الحرب على داعش في تدمر ومهين والمناطق القريبة منهما، ويقدّم مساعدة جوية مهمة للجيش السوري في مواجهة داعش في دير الزور شرقي البلاد.... هل هذا يعني شيئا ؟ والأنباء التي ترددت على استحياء عن إخطار الأمريكان للروس بالضربة قبل الهجوم ، وإخطار الروس للسوريين بها... هل ذلك من قبيل التهكم أم الحقيقة ؟ ولماذا لم يرفض الروس الضربة ..أو لم يستخدموا منظومات إس 300 وإس 400 التي تنشرها في ربوع سوريا للسيطرة على أجواء السماء السورية من الاختراق ؟ أم أن هناك توافق بين العملاقين على ذبح الرهينة العربية الثرية على المدى البعيد لاقتسام غنائم الحرب العربية المتناثرة في كل أرض العرب؟ فلو كان الأمريكان يودون ضرب مطار الشعيرات باعتباره الذي انطلقت منه هجمات الأسلحة الكيماوي على خان شيخون..فهل لإخطار الروس منطق وهو معلوم أنهم سيخطرون شركائهم السوريين؟ وهل هذا السيناريو المفزع للمجزرة في خان شيخون وضحاياه متفق مع الضربة الأمريكية العنترية الظاهرية التي خلفت فقط 6 ضحايا من الجيش السوري وبعض التلفيات بالمطار أم أنها لأغراض أخرى؟ ثم تتوالى المشاهد تباعا ..في دراما ساخرة عن عبقرية العرب في تقييم المخاطر والتهديدات ... حيث توالت المباركات العربية لرمز القوة المفدى في البيت الأبيض ..في مشهد مهين يعكس إطناب الخانعين ومن لا حول لهم ولا قوة على قدرات فتوة الحارة العالمية المسماة بالمجتمع الدولي .. في مشهد دراماتيكي ذكرني بفيلم التوت والنبوت... ومسلك الحرافيش الغلابة ... وماذا يمللك الحرافيش غير التصفيق والتهليل لفتوة الفتوات المعلم “ حسونة السبع " الأمريكاني صاحب العيون الزرقاء الصافية ؟ ولفت نظرى بعض علامات الاستفهام الاستنكارية التي تواكبت مع الأمر برمته ...فنظام الأسد الذي كان حتى عهد قريب بالكاد يسيطر على دمشق وبعض أجزاء سوريا ، وهو النظام الشرعي حتى الآن، وعندما بدأ يسيطر بشكل متتالي على مساحات كانت خاضعة لداعش ... وبدأت موازين القوة تميل له بعد دعم الروس المتنوع له... هل كان في حاجة للهجوم بالكيماوي على المدنيين العزل؟ أم إن هناك من يترصد له لكي يوقف مساره لاستعادة سيطرته على الإقليم السوري ... وهو يحاول مستميتا أن يبقي ارض سوريا موحدة..ويطرد منها الإرهابيين المرتزقة ؟ وهناك تساؤل آخر يفرضه المنطق... ما الذي دفع الأمريكان وبسرعة لتوجيه الضربة بهذا التسارع الخاطف بعد الواقعة دونما انتظار لتحقيق دولي عادل يفصح عن كنه الموضوع ومن خلفه؟ ثم من الذي أعطى الأمريكان حق التدخل الفردي دون اعتبار للكائن الهمايوني الغامض المسمى بالأمم المتحدة ليأخذ غطاء شرعيا دوليا بدلا من السير منفردا في مسار عدوان سافر وواضح على دولة مستقلة ذات سيادة عضو بالأمم المتحدة؟... أيضا ما الذي يفرق بين عدوان الأمريكان على سوريا بحجة استخدام السلاح الكيماوي وبين هجومهم على العراق 2003 بحجة حيازة صدام لأسلحة دمار شامل؟ ثم تبين كذبهم وضلالهم وأن الأمر كان خدعة عمدية للنيل من صدام حسين وهدم العراق ؟ وبسط سلطانهم بقواعدهم على أراضي العرب ..والتصاقهم التصاق البق بجسد الوطن العربي الغني بثرواته والفقير بعقله وحكمته و نظم إدارته؟ وسؤال بريء يطرح نفسه انتهاءا ..للسادة العرب المسارعين للمباركة بهجمة هولاكو الجبار على الأسد الغدار .... هل يوجد لدى هذا الجبار أي مانع من أن يوجه بوارجه وتوماهوكاته العجيبة – التي تمرق في الهواء مرق الشهب السماوية بمفردها دون إنسان يقودها واغلب الظن أنه يحركها جان أو قوى شيطانية غير معلومة لنا نحن العرب - من يضمن لكم ألا توجه تلك الشياطين المردة نحوكم في دياركم إن اختلفتم معه ذات يوم أو هددتم حبيبته الغالية إسرائيل في ساعة نزق وطني منكم، تتذكرون فيها أعدائكم الحقيقيين في تل أبيب؟ ثم إن القانون الدولي الذي عصفت به أمريكا بهجمتها هذه ...وباركتم هجمتها بكل أريحية وكرم عربي أصيل وسخي، أليس هو نفسه القانون الدولي الذي تتمسكون به لاسترجاع بعض من حقوق الفلسطينيين السليبة ؟ وعلى رأسها قرارات الأمم المتحدة 242 و338 المشهورين؟ فإذا أنتم تظاهرتم بعدم معرفة هذا القانون الدولي في سوريا التي مازالت حكومة الأسد هي الحكومة الشرعية فيها وفقا له حتى اليوم، فهل يحق لكم أن تعودوا لتنادوا بسيادة القانون الدولي مرة أخرى ضد إسرائيل المعتدية دوما ؟ المحصلات المنطقية لهجوم رامبو المنتصر هي إنهاك معنويات الجيش السوري من ناحية بإيقاعه تحت تهديدات الضرب الأمريكي المحتمل في أي وقت ....وتقوية وطمأنة الدواعش في سوريا أن الأمريكان معهم في الفترة القادمة في سوريا ..حتى لو كانوا انقلبوا ضدهم في الموصل بالعراق ..لأن الدواعش مازال لهم دور لدى رامبو المنتصر في إقليم سوريا ..لأنه لم يقسم بعد .. ثم إن الحبيبة إسرائيل لم تشعر بالراحة للآن بشكل كامل لوجود بقايا قوية للجيش السوري بجوارها .... قد تتسبب لها في صداع نصفي في أي وقت في المستقبل.. ثم وهذا هو الأهم ..داعش لها أهميتها المحورية في استمرارية حالة الخضوع والخنوع العربي مصحوبة بحاجة الدول العربية للصديق الأمريكي الوفي لدحر الإرهاب وطرد أرواح الشر من منطقة العرب.... وهذا يأتي عادة في شكل قواعد عسكرية يجب أن تستمر ..وتهديدات إيرانية يجب أن تتعمق ... وأسلحة أمريكية وغربية بالمليارات ، يجب أن تنساب ولا تتوقف ، لتقوى بها الجيوش العربية لكي تحارب بها نفسها .... لتمتليء الخزائن الترامبية ولتنتهك وتتضائل الخزائن العربية ... أما ألطف المشاهد وأكثرها تهكمية على الإطلاق في كل هذه المسارات ...وبعد كل ما حدث من ضرب أمريكي ومباركة عربية ورفض روسي متصنع ، واستنكار سوري مستضعف، وإعادة انطلاق بعض الطائرات من نفس المطار المغضوب عليه بعد الضرب بيومين ...فهو بدء جلسات مجلس الأمن للنظر في إيفاد لجنة تحقيق لكي تتقصى عن حقيقة الهجوم على خان شيخون لمعرفة من قام به ... ما شاء الله على الأمم المتحدة ... ما شاء الله على العرب ... يا مثبت العقل والدين .. رحماك يا رب ...