الدكتور إبراهيم الغزاوي يكتب : فلسفة التدبر في الاتفاق والاختلاف في العقيدة

  • الخميس ١٢ / يناير / ٢٠١٧
الدكتور إبراهيم الغزاوي يكتب : فلسفة التدبر في الاتفاق والاختلاف في العقيدة

استوقفتني كلمة التشيُعْ ...

والتشيع ليس معناه فقط المعنى التقليدي الشائع وهو اعتناق الفكر والمعتقد الديني الشيعي.....فهذا جزء من المعنى يقويه في الذهنية العربية واقع انتشار وبروز هذا الفكر ومقارنته في تصدره المشهد الديني للمسلمين مع الفكر السني..

ولكن ليس هذا فقط معنى الكلمة.....فالتشيع لغة وقرآنا هو أصل منشأ الكلمة والمصطلح ...ويعني  التفرق.... فمسألة التشيع..هي  الفُرقة بين أطياف المجتمع المسلم... أي الشقاق والتباعد ، سواء كان ناشئا عن اختلاف في أمور دينية بطبيعتها أو حتى دنيوية ...لكنها تفضي بالمجتمع المسلم انتهاء إلى التفرق... وبحدوث الفُرقة بين المجتمع المسلم تحدث في عقبها كل المساوئ وتسيل في إثرها الدماء ... فأين منطق للعقل في تفهمنا الحقيقي لديننا وقد جعلناه دينا يتصادم أتباعه لحد الدماء ؟

والواقع التحليلي الهادئ والمتعقل لدين الإسلام يجده قد أوجد مساحة طيبة وفسيحة للاختلاف ... ولذلك كانت الكثير من الآيات تحض على العقل والتفكر والتدبر ...حتى يسود منطق العقل في مسارات التلاقي أو التفرق بين السلوك الإنساني..فلا يحدث التصادم في غير مواضع الصدام....

والآية الكريمة " إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩) الأنعام ، هي آية كاشفة للعديد من الأمور.... ومنشئة أيضا لبعضها ....

أما إنها كاشفة ...فلعدة اعتبارات عقائدية بيٍنة...

أولها قديم في منشئه ممتد للحداثة في أثره ...وخطره علينا لا يخفى على من يتدبر  ...وهو أن فكر الشيعة كما هو معروف لنا  يشترك مع فكر السنة ومع غيرهما في كونهم تفريق لكلمة الدين الإسلامي ...وهنا فليس من المجدي أن نرهق أنفسنا في مدى صحة أو خطأ الفكر الشيعي أو السني أو الجهاد أو النصرة أو الإخوان المسلمين أو السلفيين ...فجميعهم عملا ... وبالمنطق القرآني، قد أفضى بالمجتمع المسلم إلى التفرق والفتن....لأنهم وببساطة وإصرار قد أوجدوا مساحة لتمييز البعض ، وإقصاء من هم غيرهم ... وقد ذكرت أتباع طائفة جماعة السنة في معرض الإدانة والتحليل لنفس منطق فساد الفكرة والمنهج ..لأنها مثل غيرها قامت على فرضية لا تخصهم فقط وهي الانتماء لسنة النبي الخاتم وكأن جماعة السنة هم فقط من يجِل سنة النبي ..ومن غيرهم ليسوا كذلك..وهي إقصائية غير مبهمة في تأثيرها الشقاقي، بالرغم من كونها مبهمة في عِلَة قيامها  ...وفيها تمييز ليس له مقتض من العقيدة نفسها... والأصح أنه لا سنة ولا شيعة ولا إخوان ولا جهاد ولا داعش ولا قاعدة ولا سلفية ولا وهابية ولا و لا ....

هناك فقط أمة الإسلام..أمة محمد النبي الخاتم... هناك المجتمع المسلم كتلة واحدة نبيها محمد وإلهها الله رب الجميع ... تتفق على العبادات لأنها مقطوع بها وفيها ...وتتحاور لتختلف برفق وتعقل في العادات التي تختلف من زمان لزمان ومن مكان لمكان ..وهكذا أتت سنة العادة في أمور الدنيا للنبي ...وهكذا كانت سنة الخلفاء الراشدين من بعده ...

وثاني هذه المسلمات المستقاة من الآية أن المجتمع المسلم ليس له راية غير تلك التي رفع لوائها النبي محمدٌ...وأنها راية تكفي وتتسع وترحب  لكي يلتف حولها المجتمع الإسلامي وقت النزول ووقت غير النزول بعد وفاة النبي.... وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وما عليها... ومن يجادل في كفايتها ينكر تمام رسالة النبي محمدا ...لأنه ينكر قول الحق في القران ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾ المائدة: 3 وصدق الله العظيم... وكذب كل متشيع مفرق لدينه سواء كان سنة أو شيعة ...حيث أن مسمى كلمة "سُني" ليست في ذاتها صك غفران واستقامة واستواء ما لم تكن عملا كذلك ..ولا أحسبها كذلك لمجرد التسمية ...

أما ثالثة الأمور التي تقودنا إليها الآية ...أننا أصبح لدينا معيارا للرفض لكل ما هو ذا  خطر على المجتمع المسلم ...ومعيارنا الرباني هو ما يفرق كلمة الدين ...فكل ما يفرق بين مسلم ومسلم ويشق عصا التناغم النفسي والروحي والعباداتي والسلوكي بين الناس يصبح منكرا وعلينا أن ننفر منه ...فمبنى ومعنى الآية إذن أن أي  مفرق للدين ولو كان باسم الدين نفسه .... منكرا ولا يجب أن نستضيفه بين مجتمعنا ...

أما في كون الآية ذات البهاء العقائدي المبهر...منشئة...

فقد أنشئت ..دون أن يدري المفتتنين غير حاملي العقول ...منهجا للمحاسبة لو حدث التفرق هذا ....

والواقع الإبداعي لتلك الآية ..وقد غاب كما أسلفنا عن الجهال....أنه ربط المحاسبة وقنن رد الفعل وعلقه على غير بني البشر...فقد قال الجليل في علاج الفُرقَةْ" لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"....

نعم ...جعل الله محاسبة من أوجد اختلاف العقيدة ملك يمينه هو ...فهو الذي سيحاسب من شق واختلف وفرق..طالما اقتصر الأمر على اختلاف العقيدة داخل النفس وفي إطار العبادات الإرادية للمسلم ...ولم يتجاوز ذلك للعدوان على الغير أو الافتئات على حقوقه ... بالإضرار بالقول أو الأذى بالفعل ...

كيف تغيب هذه المنهجية القاضية عن أعيننا ...وهي التي حسمت كل خلاف في العقيدة بين المسلم والمسلم ...مثلما حسمت آية مبدعة أخرى خلاف العقيدة بين المسلم وغير المسلم في قوله تعالي"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" ...

هذا إذن المنهج الرباني الوجوبي حين تختلف العقائد وينشأ عن الاختلاف خلاف وشقاق وانقسام بين المجتمع المسلم... فهل نملك نحن المسلمون أن نبدل فيما قطع الله فيه القول؟

وصدق الله العظيم ...فمن فرق ديننا وتشيعوا وشيعوا الناس بينهم لا يجب أن نكون منهم في شيء....

دعونا نتصالح مع أنفسنا ..وندع العقيدة لصاحبها في علاه...هو المحاسب عليها..