عندما تبكي الجراح { تخطيط الشيطان للعبث بأمن الوطن }

  • الإثنين ١٢ / ديسمبر / ٢٠١٦
عندما تبكي الجراح { تخطيط الشيطان للعبث بأمن الوطن }

عندما تبكي الجراح  تخطيط الشيطان للعبث بأمن الوطن

 

بقلم الدكتور : إبراهيم حسن الغزاوي

رئيس مركز دلتا مصر للبحوث والتدريب

عندما تبكي الجراح  تخطيط الشيطان للعبث بأمن الوطن

العقل أعدل الأشياء قسمة بين البشر...... ديكارت مرة رابعة ... واليوم....لأن الواقع ليس فقط مدهش في غرابته.... لكنه مؤلم في استكانته لفحش الخصومة وسواد القلوب وفساد العقول .... فلا مفر منك أيها العقل ..سند لنا .... اليوم ... وآلام قسوة البغض تجتاح قلب كل مصري ... لدينا ألم ومرارة ... نعم...ألم ومرارة .... ألم لفداحة الحدث المجرم والشائن.... فقتل النفس التي حرم الله كبيرة..يهتز لها عرش الرحمن... ولنتأمل قول الحق في قرآننا الكريم ... "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" سورة المائدة ـ الآية 32. والألم لفراق الأهل والأحبة... وهو في قلوب مصر أبناء بررة... سواء منهم من قتل في كمين أمني أو عسكري..أو المصريين الأطهار الذين قتلوا وهم بين يدي ربهم وربنا..فالله واحد في كل أديان السماء ..يتلون عظاتهم ..ويقيمون صلاتهم... ويسلمون أنفسهم لربهم في بيت من بيوت الله ..... تحلق فيه أجواء السلام وتنتشر في جنباته أنسام البركة والتسامح والإنسانية في أرحم صورها... مثلهم في ذلك مثل المسلم المؤمن يتعبد في مسجده .... نعم ..فلا فرق عندنا في مصرنا الحضارة والاعتدال والوسطية والفهم الحقيقي للدين بين مسلم يصلي لربه في مسجده ، ومسيحي يصلي لربه في كنيسة..فالرب هنا وهناك واحد.... والوطن واحد ...والقلوب واحدة تهفو لرحمة الخالق وصاحب الأديان ومنزل الرسالات ... ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة..... وقد استوقفتني في حادثة الكنيسة عدة أمور .... أولها أنه لم تعلن أية جماعة فاسدة العقل والقلب ومعطبة الضمير مسئوليتها عن الحادث ... وهذا أمر توقعته أن يحدث ...لعدة اعتبارات ....لأنهم يدركون جيدا أن إعلان المسئولية عن مثل هذا العمل الإرهابي الشائن ليس فقط سينزع عن سادتهم في الدول الغربية ممن يخططون ويرسمون مسارات الدم هنا ، كل مصداقية ، بل أيضا سيجعلهم يخسرون كل دعم معنوي ومادي من المواطن الغربي المتعاطف معهم، والذي صدقهم في مسألة حقوقهم الديمقراطية وأنهم مظلومون وأن ما حدث بمصر في 3/7 انقلاب وليس ثورة ...وغيرها من ادعاءات الزيغ .. كما إنهم أيضا ، مخططي ومرتكبي هذا العمل الشائن، يعلمون علم اليقين أن ترك الباب مفتوحا دون إعلان أي فصيل إرهابي عن مسئوليته، سيترك نافذة لهم ولجنودهم الإلكترونية النشطة ، إضافة لبعض عقول الشباب السطحية الغاضبة ، التي يمكن أن تتقبل مثل تلك التراهات ....للتشكيك أن مرتكب هذا الفعل الفظيع والمخزي هي جهات رسمية للدولة ، كما اعتادوا أن يسوقوا لتلك السفاهات البغيضة في أي أحدث شبيهة..فهم يتنصلون من إرهاب الأقباط لأنهم يريدون أن يروجوا في الاتجاه الآخر... لبث روح التشكك على الأقل، إن لم تكن العداوة والبغض بين الدولة بمؤسساتها وبين أقباط مصر المسيحيين .... ثم إن استهداف الكنيسة والمصلين سيحقق لهم عنصر لفت الانتباه لكنه في الوقت نفسه عمل هم يدركون فظاعته، ولذلك هم يتحسبوا له جيدا ...ولا يلجئون إليه إلا عندما تنغلق الأبواب في وجوههم....بصمود أجهزة الأمن والقوات المسلحة..وشراستها في الدفاع عن مواقعها ..بل والرد بقوة وقسوة على من يبادر بالهجوم على تلك القوات..... وهو ما يضعهم أمام تحدي إثبات وجودهم في محفل آخر ..يضربون به عدة عصافير بحجر واحد..وليس أمامهم هدفا مثمرا بحجم وعمق وأهمية المصلين في كنيسة .... أخذا بالاعتبار موقف البابا المشرف من دعم الدولة والاستقرار والرئيس...وهنا سيحقق ضرب الكنيسة بمصليها غرض إشعال غضب البابا والمسيحيين كلهم..وتحفيزهم ضد أجهزة سيادة القانون في الدولة وعلى رأسها الشرطة والأمن الوطني ، وتحميلها مسئولية التقصير عن حماية أبناء الوطن وهم يؤدون صلاتهم.... ثم إن استهداف الكنيسة والمصلين بها وإحداث القتل البشع بهم كما تم .. هو رهانهم الخاسر ...لأنهم لا يكفون عن محاولاتهم المتتالية للوقيعة بين أبناء الوطن..وهو يعلموا يقينا أن أبشع ما يمكن للمجتمع المصري أن يقع فيه هو الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد...ولكن شاهت وجوههم ...وحبط عملهم .... فالإخوة المصريين أعلم وأعقل منهم بخبث مسعاهم ... ولا انسي ما حييت مقولة البابا تاوضروس الرائعة عندما اجتاح التتار منهم عشرات وعشرات الكنائس في أعقاب فض اعتصامهم ..عندما قال في ثبات وإيمان وعقل وحكمة ليس لهم نظير" "وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن".... ولعلنا يجب أيضا أن نربط بين تكثيف الهجمات الإرهابية مؤخرا ..وبين ما شهدته مصر من تحول تدريجي نحو الاستقرار الاقتصادي، وزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك المركزي، وبدء عودة سياح العديد من الدول الغربية بعد قطيعة استمرت عدة أعوام..وهو ما يشكل سببا قويا لهم لكي ينشطوا من جحورهم ... لكي يحبطوا محاولات مصر للنهوض.... علينا أن نصمد خلف وطننا..وأن نثبت على يقيننا أننا لا نهزم أمام الإرهاب والإحباط.... وعلى مؤسسات الدولة، بينما تتمسك وتعزز مسارات التنمية الاقتصادية ، أن تسرع الخطي في تحليل الظواهر الإرهابية..وأن تكون أكثر جدية ومنهجية في تلافي أسباب الإرهاب عامة، وعلى رأسها الجهل والظلم والغضب من الدولة ومؤسساتها، والفقر والإقصاء وغياب الانتماء والبعد عن معنى الدين الحقيقي..وهي أمور سيأخذ علاجها سنين طوال..لكننا يجب أن نبدأ بها .... وعلينا جميعا..والدولة الرسمية أولنا ..أن ندرك أن الاكتفاء بالمواجهة الأمنية غير ناجح ..ومكلف جدا ..ونجاحاته مؤقتة..لكنه يكرس لزيادة الحقد ... ولابد أن يتزامن معه مواجهة دينية وعلمية وثقافية واقتصادية، إضافة لجهود متخذ القرار السياسي والتنفيذي للقيام بثورة إدارية لرفع كفاءة أجهزة الدولة ومحاربة الفساد والركود والبلاهة الإدارية...وعندها سيدرك المواطنين في الشارع أنه مواطن له حقوق وانه يحترم في أي مكان ببلده ..هنا سيصعب على أي فكر متطرف أن يستقطبه ... وعندها سيندحر الفكر والمفكر الإرهابي..لأن المواطن المصري سيكون أكثر استنارة، وأكثر ارتباطا بوطنه...وأكثر اقتناعا وثقة أن بلده ملكه ... وأنه محترم بها .... المسار طويل ..أعلم ... لكننا ليس أمانا خيارات ..علينا أن نوجه أنفسنا لكي نحل مشكلاتنا من جذورها ..ولا نرتضي بأن نستخدم حزننا على شهدائنا في صب اللعنات على المجرمين الإرهابيين وكفى ... دونما بادرة تخطيط وتنفيذ لواجبات باتة وقاطعة لحل مشكلة الإرهاب من جذورها... اللهم احم مصرنا من لهيب الإرهاب ونيران الفتنة وجحيم الجهل والفقر والظلم ... ومتعنا بالعقل ..الذي يجب أن نلتزمه لدحر أعدائنا الأخطر ....الجهل والفقر والغضب ...آمين