هل يستعبد الحر ؟ بقلم الكاتب الدكتور : ابراهيم حسن الغزاوى
- الأحد ٠٦ / نوفمبر / ٢٠١٦

هل يستعبد الحر ؟
سؤال يطرح نفسه ...
بين السكر والملح ....
فلسفة تغيير واقع العقل الجمعي المصري..
العقل أعدل الأشياء قسمة بين البشر......
ربما لم يكن الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت مدركا تماما في مقولته هذه... أننا في مصر اليوم – كمصريين – سنحتاجها ...ونحتاجها بشدة ...لكي نتذكر أننا لدينا عقل..ولكن لنتذكر أيضا أن العقل إن لم يعمل عمله الذي أراده الخالق له ، فلا قيمة له.... ولا فرق إذن بين البشر والدواب... فقد افترض الرجل أن العقل قد وجد فطريا في كافة البشر... وهذا افتراض لا غبار عليه في الغالبية العظمي من الناس..أللهم إلا من ابتلي بغياب العقل كليا أو جزئيا ، لعارض من عوارض العقل والحكمة، كالسفه أو الجنون أو الغفلة.... أو بغير ذلك كله ، للطفل حتى يرشد....
ولعلني اليوم استعيد هذه المقولة الرائعة، لكي أظهر منها ما يجب أن يظهر منا اليوم ...في المجتمع المصري.... ونحن في رحاب أزمات هي المضحكات المبكيات..لأنها أزمات تافهة ،ولأنها قليلة الخطر، إلا أنها تحدث فينا على العموم دويا وصخبا لا يتفق مع حجمها ولا قيمتها ولا الحلول التي يجب علينا أن نطرحها للتعامل العاقل معها... وعلى رأسها وأحدثها وأكثرها صخبا أزمة السكر البلهاء... وفيها تدور دوائر المقالة هذه...
فالمجتمع المصري يمر بمرحلة شديدة الصعوبة ، وأزماتنا ليست فقط متتالية ...بل غالبا ما تتزامل أزماتنا بعضها مع بعض مزاملة الأخلاء ..الذين مازال بعضهم لبعض صديق وحبيب .. وليس عدو...أما من يحدثها فينا من البشر..فهم الأعداء بلا ريب..ولو كانوا منا ..ولو كانوا أبرياء القصد لكنهم بلهاء المسلك...فالعبرة ليست بالقصد ولكن العبرة بالمسلك...
والحكمة والمواطنة وعقل ديكارت الرزين الذي منحه الله لنا جميعا ...أو لأغلبيتنا الكاسحة... وبمنطق الفلسفة الإنسانية البسيطة..... يلزمنا أن نتروى في تقييم هذه الأزمات...ليس للتقليل من قيمتها وآلامها التي تتركها فينا...من هنا وهناك...ولكن للنظر في أمرين شديدي الخطورة وعظيمي الأثر...
أول هذين الأمرين ..سؤال يجب طرحه..وهو هل هناك سبب حقيقي لأزمة السكر ؟
وهنا تأتي الإجابة سريعة..وشافية..نعم تحركت أسعار السكر عالميا لبعض الشيء...ولكن ... عندما أتت تلك الحقيقة إلى مصر..أصابها هوس المواطن مثلما أصابها جشع التاجر، ومثلما أصابها نهم المحتكر...فخرج الأمر عن المنطقي ..واختفى السكر..في ظروف غامضة ..غموض اختفاء الدولار اللعين..والعيب فينا يا سادة...
أما الأمر الثاني، فهو سلوك المواطن المصري العشوائي، الذي ما إن يشم في الهواء أدنى رائحة لمشكلة خاصة بسلعة ما، إلا وتحركت فرائسه وغرائزه نحو التكديس والتخزين ..له وللمستقبل...فيحدث طلب مخبول على السلعة في السوق...فتطير كل جهود الحكومة الدؤوبة لتوفير السلعة في الهواء...وكيف لنا أن نجد تلك الجهود..وقد اندفع المواطن بكلتا ساقيه يسابق الريح لشراء السكر..وكأننا سنموت بعد دقائق إن لم تسعفنا حقنة السكر ..وأنها يجب أن تكون حقنة مقدارها كيلوات كثيرة..تلقى على الأرفف في انتظار الزمان ...
ولأنني اليوم..وبحكم العقل...و مستعينا بفلسفة ديكارت..وعقل المواطن العاقل... اود أن القي الضوء على أهم تلك الحلول ..التي نسيناها في غمرة اللهاث وراء السكر..وقبله وراء الأرز ..وقبله وراء الدولار..وبعده الله يعلم..
يا سادة إن أهم الحلول التي تعد سيفا بتارا في يد المواطن المصري هي المقاطعة...نعم ....المقاطعة للسلعة...
ويعيننا في سلاح المقاطعة معلومة طبية موثقة..تقول لنا اتقوا شر الأبيضين السكر والملح...
ولأن الأبيض الأول قد طفا هذه الأيام وأصبح سعره فلكيا على البسطاء ..لأننا أفرطنا في طلبه، ولم نتعقل في استهلاكنا..ولم نحاول مجرد محاولة أن نضبط الهمجية في استغلالنا له..فيجب أن ندفع جميعا الثمن...
وقبل أن اكتب مقالتي هذه ..فقد أوقفت نفسي في موقفها ..وقررت أن أتخلى عن السكر ..لحد بعيد...وأصدقكم القول... لم أجد أية معاناة ..بالعكس..تسير حياتي بشكل أكثر انضباطا وصحة من أيام السكر و سنينه...
علينا أن نتحكم في استهلاكنا ..وعندما ترتفع أسعار السلع ..إن أمكن لنا كمواطنين أن نقلص الطلب ...ستنخفض الأسعار..ويتردد التجار الجشعين..والنهمين لمص دمائنا في شراء سلعة ليس عليها طلب ساخن من الناس..
وفي شأن الحكومة ..هذه رسالة تشجيع ومؤازرة...وأعلم إنكم تجاهدون في توفير تلك السلع ضد غول الطلب الهستيري من الناس...
يا سادة ...بلادنا مصر ليست فقيرة..لكننا نحن الفقراء ... حتى أغنيائنا فقراء... حيث نستغرق في الاحتياج المادي الضيق، بما يحجب عنا أهم أدوارنا قاطبة وهو الدور الإنساني في الوجود... وستكتسب هذه الكلمات بعدا أعمق واشد خطرا ونحن في مسارات تاريخية مصيرية نحو المجتمع الحر والديمقراطي...
ولا أعتقد أن مجتمع بمثل طموحاتنا الكبيرة ..سيعييه أن يتخلى ولو قليلا عن العشر ملاعق سكر في كوب الشاي ..حتى "يتظبط" مزاجنا التعسفي...
ربما اليوم موعدنا لنقول للسكر ولغير السكر ..تبا لكم ... يمكننا أن نستغني عنكم ولو قليلا...
الجزء الأهم من الحل في أيدينا يا سادة..لكننا اعتدنا أن نجري وراء الحكومة، التي عليها واجباتها أيضا، لكننا تغافلنا عن واجباتنا وأدمنا أن نجري ونعتمد على الحكومة اعتماد الرضيع على أمه ..وأمنا تلهث ولا تكاد تفيق ..من أزمات الأمن والإرهاب والحدود والتآمر من الخونة الخارجيين والداخليين ناهيكم عن تحديات الأمن القومي ، التي تهدد أي دولة في منطقة الشرق الأوسط ...وواقعنا يغلي حولنا..ونحن لسنا بمنأى عن الخطر..بل نحن في قلب الخطر...
فهل نعي؟....
كما لا يجب أن نتغافل عن مضار غياب السياحة وتداعي الصناعة وفقر الزراعة... وقبل كل ذلك..ضعف ثقافة المواطنة والانتماء...التي يجب أن تسم العلاقة بين الفرد والدولة مصر...
علينا أن نصنع الأمل مع الرئيس..وبأيدينا فقط يمكننا أن نساعد أنفسنا في ضبط الأسعار ومحاربة من ماتت ضمائرهم..
نعم..السلع الغالية نقاطعها تماما..وصدقوني لن نموت..بل سنحيا...
ليس فقط سنحيا..ولكن أؤكد لكم ..ستنهار الأسعار ...صدقوني وجربوا... وسيلهث ورائنا الجزار والفكهاني والبقال .... المواطن في المجتمع العاقل هو ميزان ضبط الحياة... إن شط التاجر عاقبه المواطن بالاستغناء أو على الأقل الاستغناء مؤقتا...هنا لن يهرع أي من التجار للتخزين وتسقيع السلع وتجفيف السوق ...
وهنا فقط ..سيتحول سكر المواطن إلى ملح التاجر الجشع .. عندما لا يجد من يشتريه ...
اللهم يسر لنا العقل والحكمة والسلوك ..لنكافح بها الغلاء والجشع والطمع ...
د. إبراهيم حسن الغزاوي
رئيس مركز دلتا مصر للبحوث والتدريب
محاضر القانون الدولي وحقوق الإنسان